الصراع الإيراني الإسرائيلي في سوريا- تصعيد وتأثيرات استراتيجية

المؤلف: رامي الخليفة العلي11.23.2025
الصراع الإيراني الإسرائيلي في سوريا- تصعيد وتأثيرات استراتيجية

يشهد الصراع الإيراني الإسرائيلي في سوريا تحولات متسارعة، بلغت ذروتها مع عملية مصياف الجوية المباغتة. هذا الهجوم، الذي تميز بكونه إنزالاً جوياً استهدف منشأة صناعية عسكرية حساسة، يمثل خروجاً عن النهج التقليدي للضربات الإسرائيلية، التي كانت تعتمد في الغالب على الغارات الجوية الموجهة نحو المواقع الإيرانية. تعكس هذه العملية الجريئة تحولاً جوهرياً في الاستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة التمدد الإيراني في الأراضي السورية، مؤذنة بتصعيد ملموس في حملتها الرامية إلى إضعاف البنية التحتية الإيرانية وتقويض قدراتها العسكرية المتنامية. يأتي هذا الهجوم كجزء لا يتجزأ من رؤية إسرائيلية أكثر حسماً وصرامة في التعامل مع تنامي النفوذ الإيراني، حيث ترى إسرائيل في تعزيز الوجود الإيراني في سوريا خطراً استراتيجياً داهماً لا يمكن التهاون معه أو تجاهله. من الواضح أن الصراع الإيراني الإسرائيلي في سوريا يكتنف أبعاداً بالغة التعقيد والتشابك، تتجاوز ما يظهر للعيان. إيران، من خلال استراتيجيتها بعيدة المدى القائمة على استيعاب الصدمات الناتجة عن الضربات الإسرائيلية، لم تكتفِ بترسيخ وجودها العسكري في سوريا عن طريق إنشاء قواعد ثابتة، بل عمدت إلى تحويل البلاد إلى ساحة نفوذ شاملة، تمتد من الحدود العراقية وصولاً إلى العمق اللبناني. هذا النفوذ المتجذر، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، يعزز من قدرة إيران على الوقوف في وجه خصومها الإقليميين والدوليين، ويجعل من إضعافه مهمة بالغة الصعوبة. على الرغم من الغارات الإسرائيلية المتواصلة التي تستهدف قادة الحرس الثوري وتدمير مستودعات الأسلحة، فإن تأثير هذه الضربات ظل محصوراً في الغالب ضمن نطاق تكتيكي ومؤقت. فقد أظهرت إيران مرونة وقدرة فائقة على استيعاب هذه الهجمات وتكييف استراتيجياتها بما يضمن الحفاظ على مكاسبها، وهو ما يعني أن الضربات الإسرائيلية تمكنت من إبطاء وتيرة التوسع الإيراني، لكنها لم تفلح في وقفه بشكل كامل. تتكون هيكلية النفوذ الإيراني في سوريا من عدة طبقات، يترأسها الحرس الثوري المتمركز في المواقع الحساسة والاستراتيجية، يليه حزب الله، ثم الميليشيات المتحالفة مع إيران، وأخيراً وحدات من الجيش السوري، وعلى رأسها الفرقة الرابعة. هذا التوزيع المعقد يضمن لطهران سيطرة محكمة على مفاصل الدولة السورية، مما يجعل من محاولات اقتلاع نفوذها تحدياً مستعصياً.

في المقابل، تبدو محاولات الحكومة السورية لتقليص النفوذ الإيراني من خلال تعزيز التعاون المحتمل مع روسيا أو إسرائيل، ولو بشكل مبطّن وغير مباشر، كما تجلى في قضية لونا الشبل (وهو ما تزعمه طهران على الأقل)، وكأن الرئيس الأسد قد تأخر كثيراً في محاولته استعادة التوازن، بل بات يتعامل مع التداعيات الناجمة عن هذه المساعي بعد أن كشفتها إيران وسارعت إلى احتوائها. فالنفوذ الإيراني الآن ليس مجرد وجود عسكري عابر، بل هو شبكة معقدة من التحالفات والولاءات المتجذرة في مختلف المناطق السورية، مما يجعل من تغييرها أو التخلص منها أمراً بالغ الصعوبة. تشير التقارير المتواترة إلى أن إيران وحزب الله قد استحوذوا على مراكز صناعية عسكرية استراتيجية في سوريا، وهو ما يمثل جزءاً من خطتهم الشاملة لتعزيز نفوذهم العسكري. وتنظر إسرائيل إلى هذا التوسع الإيراني باعتباره تهديداً وجودياً لا يمكن التعايش معه، وتتعالى الأصوات المطالبة بتصعيد الهجمات للقضاء على الوجود الإيراني بأكمله في سوريا. على الرغم من كل هذه الجهود المضنية، يبدو أن الحكومة السورية قد تراجعت عن مساعيها للحد من النفوذ الإيراني، وهو ما يعكس عجزها المتزايد أمام الضغوط الإيرانية المتصاعدة.

في نهاية المطاف، يبدو أن تقويض النفوذ الإيراني في سوريا قد بات ضرباً من المستحيل في ظل الظروف الراهنة. أما السيناريوهات المستقبلية، فهي تنبئ بتصعيد ميداني من قبل إسرائيل إذا ما استمرت إيران في ترسيخ وجودها وإنتاج الأسلحة المتطورة في الأراضي السورية، الأمر الذي سيزيد من تعقيد الوضع المتأزم ويهدد بمزيد من التوترات وعدم الاستقرار في المنطقة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة